خواطر – شمس قبالة شرفتي

0
1683

( شمسٌ قُبالةَ شرفتي )

كلّ صباح ٍبُعَيدَ انجلاء الليل و انصراف القمر إلى مخدعه ، تتوشّح السماء المزدانة بالنجوم الآفلة بوشاح بهي ٍ مشرق ، يختلف في طلّته عن كلّ مرةٍ يطّل بها .. تحيكه لنفسها بعشوائية ٍ متمردة من تبعثر غيم راق له أن يفرد نصاعة َ بياضه على زرقة سماء ٍ واسعة تتكشّف ألوانها تدريجياً مع بدايات بزوغ الشمس . من عمق المدى البعيد ومن جوف الظلام المنحسر ينبثقُ شعاعُ شفق ٍ متّقد ، لتتوهجَ السماء معلنةً سطوع الشمس . بإشراقةٍ برتقاليةٍ خجولة تطلّ الشمس ساطعة ً رويداً رويداً ، مزاحمة ً بقرصها الدائري المشع هالةَ غيم ٍ تحلّقت حولها فتبدو للناظر إليها وكأنها قد استيقظت لتوها على فراشها الوثير .. تنشر أشعتها الذهبية الدافئة و التي بكل لطفٍ و تأن ٍ تتسلّل بين جنبات الغيم التائه المبعثر .. فتضجُّ السماء المتثائبة تواً بألوان وصخب الحياة .. ألوانٌ تتعانق فيما بينها و تتغلغل لتتماهى عبر تدرجاتٍ لونية ساحرة و آخاذة تبعث في النفس كلّ البهجة والمسرّة ، مبشرةً بحلول صباح ٍ جديد يحمل لنا الدهشة و المتعة إن ْ نحن أحسنَّا استقبال محيّاه . أمام هذا البهاء و الجمال .. أمام هذا المشهد الآسر أبدأ صباحاتي كل يوم و أنا أحتفي بفنجان قهوتي على وقع أغنية ٍ هادئة و أثير هواءٍ منعش . ………… خارج حدود الزمان و المكان و بكثيرٍ من النشوة أَجِدُ نفسي محلّقةً صوب ذلك الأفق الشاسع اللامتناهي ، أتنقّل ما بين غيمةٍ وأخرى ، ألهو كطفلةٍ بين جنباتها المبعثرة .. أصافح الشمس حين أتطلّع إليها مبتسمة ، فتبادلني الابتسام بغمرة دفءٍ وإشراقة محبة . وإذ أشهد ولادتها كل يومٍ من رحم السماء .. متتبّعةً خطوات إشراقتها ، فإنّ أشياءَ جميلةً حلوة تشرق في داخلي و تتفتّح . في ذلك العالم المسكون بالصفاء و النقاء تهيم نفسي و تتماهى إلى أن تبلغ حدود التلاشي و الذوبان . في ذلك العالم أنسى من أكون .. نائية ً بنفسي عما يحيط بي . أرتقي بروحي عاليا حين أحلّق صوب ذلك العالم الأزلي الذي يطالعنا كل يوم ناهضا من سباته في تجددٍ دائم منذ بدء الخليقة إلى ما شاء الله . إنه عالم النور و الضياء .. عالم الله بجلال و روعة ما خلق وأبدع .. إنه عالم السكينة و السلام . وأنا إذ أشهد ذلك الصباح منذ باكورة مطلعه فإنما أعيش في نعيم ملكوته على الأرض مدركةً أنّ كل صباحٍ أحياه إنما هو هبة الله لي . عندما تعلو الشمس صعودا في طريقها إلى كبد السماء بعدما أفصحت عن وجهها المشع واشتدت ألسنة وهجها ، تكون قهوتي قد انتهت و أغنيتي قد انطفأت ، فأسحب نفسي إلى داخل البيت مغلقةً باب الشرفة كفراشةٍ كانت تحلّق ُ قبل قليلٍ في ملكوت السحر و الجمال .

Sawsan Bunni

نُشِرَت في مجلة المداد الثقافية